نوشته شده توسط : يعقوب پورنجف

 

«الإمام علي صوت العدالة الانسانية» عبارة جميلة طالما تغنى بها عشاق الإمام و موالوه في أنديتهم، أو نعتوه بها ضمن حديثهم، أو كتاباتهم في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أن هذه العبارة الجميلة و العميقة في مدلولاتها التاريخية و الفكرية و بخلاف ما اعتدنا عليه في ثقافتنا الدينية في إطلاق الألقاب و النعوت و نسبتها الى أحد عظماء الدين ليست من الكلام المأثور عن الأئمة المعصومين عليهم السلام، بل و لا حتى فقهاء، أو علماء المسلمين و إنما هي عنوان كتاب قيم لعالم مسيحي هو الأستاذ جورج جورداق الذي ألفه عام 1958 و هو في سن 28 من عمره و لعله أول كتاب حاول أن يتعرف على الامام علي عليه السلام و يعرفه للأجيال الصاعدة من زوايا عصرية حديثة أكثر تلائمًا مع مستجدات العصر الفكرية و الحضارية. و ليس هذا الأمر بالمستغرب و لا الجديد على العلماء المسيحيين و أدبائهم لاسيما الشرقيين منهم أولئك الذين عاشوا في الوسط الإسلامي و ساهموا أيّما إسهام في نهضته الأولى في العهد العباسي و الثانية المعاصرة. فقد تشربوا حب الرموز الإسلامية لاسيما أهل بيت النبوة فراحوا يتغنون بهم في أعمالهم الأدبية و الفكرية التي كادت أن تفوق الأعمال الإسلامية روعة و جمالاً، بل فاقتها أحيانًا كيف و لا هي نتاج فكري حُر جاء ليبرهن على أصالة الفكر المتجرد عن التعصبات و التحيزات الدينية الضيقة التي طالما أعمت أصحابها و أصمتهم عن النظر إلى الحق و الاستماع بصوته الهاتف الصداح.
فقد دأب المسيحيون من أدباء و علماء العالم الإسلامي على إنصاف الحق و نصرة أصحابه بكل ما آتوه من قوة إبداع و جمال في التعبير و البيان فكانت القصائد الغراء في مدح و رثاء العترة الطاهرة و الكتب و الرسائل القيمة في تحليل شخصياتهم و دراسة حياتهم المباركة. فتخلّدت تلك الأعمال و خلدتهم بخلود من كتبوا في حقهم من أهل بيت النبوة و من أوائل الشعراء النصارى الذين تغنوا بحب اهل البيت لاسيما الإمام علي عليه السلام هو بقراط بن أشوط الوامق الأرميني النصراني رئيس بطارقة أرمينية و قائدهم الأكبر و أميرهم المقدّم في القرن الثالث الهجري و الشاعر زينبا بن اسحاق الرسعيني الموصلي النصراني الذي علل حبه و حب النصارى لأهل البيت بقوله:
يقولون: ما بال النصارى تحبهم      و أهل النهى من أعرب و أعاجم
فقلت لهم: إني لأحسب حبهم        سرى في قلوب الخلق حتى البهائم
و من شعراء مطلع القرن العشرين الشاعر الصحفي الأديب عبد المسيح الانطاكي المصري صاحب ملحمة الامام علي المعروفة بالعلوية المباركة و التي تقع في 5595 بيتًا و الشاعر اللبناني الكبير بولس سلامة صاحب ملحمة عيد الغدير التي جاء فيها:
جلجل الحق في المسيحي حتى      عـدّ من فـرطِ حبـّه عـلويّا
أنا من يعشـق البطولـة و الإلهــام و العـدل و الخلق الرضيّا
فإذا لم يكن علي نبياً                فـلــقد كان خلـقه نـبـويّا
هو فخر التاريخ لا فخر شعب      يـدعيه و يصـطـفـيه ولـيّا
لا تقل شـيعـة هـواة عـلي   إن فــي كل منـصف شيعـيا
و لم تنتهي هذه المسيرة المباركة، بل تتوّجت بنخبة من الشعراء و الأدباء المعاصرين اللامعين في سماء الفكر و الأدب العربي المعاصر لاسيما في لبنان و بلاد الشام ممن حفلت المكتبات العربية بمؤلفاتهم و أعمالهم الأدبية في هذا المجال و غيره.
 و قد ارتأت الحوزة الفنية في طهران تقديرًا و عرفانًا لهذه الإنجازات العلمية و الأدبية القيمة و في سبيل التواصل الثقافي و الفكري بين البلدين و الديانتين أن تدعوا كوكبة من الأدباء و المفكرين المسيحيين اللبنانيين و ذلك في ذكرى عيد الغدير الأغر و ضمن نشاطات مهرجان مطر الغدير الأول الذي تقيمه الحوزة الفنية بهذه المناسبة المباركة و قد تكلل مهرجان هذا العام و هو الأول بحضور هؤلاء الضيوف الكرام و هم كل من الوزير اللبناني الأسبق الشاعر جوزيف الهاشم، الدكتور الشاعر جورج شكور، الدكتور الشاعر فيكتور الكك، و الدكتور الشاعر ميشال كعدي و الدكتور الشاعر ريمون القسّيس و الدكتور الشاعر جورج زكي الحاج و ضيفة الشرف السيدة جمال بري و قد كان حضوراً حافلاً بالمشاركات الشعرية و المقابلات التلفزيونية و جلسات المعارفة و ما شابه ذلك، حيث شارك الشعراء في مهرجانين شعريين أقيما من قبل الحوزة الفنية و كان الأول منهما مساء يوم الخميس في العاصمة طهران و في قاعة سوره بشارع حافظ في مبنى الحوزة الفنية و الثاني صباح يوم السبت في قاعة كلية الهندسة بجامعة چمران بمدينة الأهواز كما ساهم الشعراء الضيوف في مهرجان آخر أقامته بلدية طهران في قاعة احتفالات برج ميلاد و قد شارك في المهرجان الذي أقيم في قاعة سورة، من الجانب الإيراني كل من الشعراء الأستاذ علي معلم و الأستاذ يوسف علي ميرشكاك و الشاعر الشاب حسيني كما و افتتح الحفل بكلمة شكر و ترحيب ألقاها السيد محسن مؤمني رئيس الحوزة تلته كلمة الشيخ محمد رضا زائري سكرتير المهرجان. كما تم تكريم الضيوف في ختام الاحتفال بهدايا و رموز تذكارية.
أما احتفال الاهواز فقد ناب فيه سماحة الشيخ حسين الطرفي عن شعراء محافظة خوزستان بابيات ترحيب و قصيدة ألقاها في المناسبة و قد كانت مشاركات الشعراء الضيوف قصائد و أبيات انتقوها من دواوينهم و ملاحمهم الشعرية في الإمام علي بن أبي طالب و نجله أبي عبدالله الحسين عليهما السلام. و سنأتي بنماذج من هذه المشاركات مع ترجمة يسيرة لكل شاعر.
الأستاذ الشاعر الدكتور جورج شكور
أستاذ اللغة العربية في جامعة القديس يوسف و غيرها و صاحب ملحمة الإمام الحسين و الإمام علي و ملحمة الرسول و دواوين شعرية أخرى كـ وحدها هي القمر و مرآة ميرا و زهرة الجماليا و من الأبيات التي شارك فيها و هي من قصيدته ملحمة الحسين عليه السلام:
على الضَّمير دمٌ كالنَّار موَّار    إن يـُذبحِ الحقُّ فـالذبّاح كُـفّار
دمُ الحسين سخيٌّ في شهادتِه   ما ضـاعَ هـدراً، به للهـوى أنوار
و للشَّهادة طعم لم يـذقه سوى   الشُّـمُّ الأُلى أقْسَموا، إنْ يُظلَموا ثاروا
أَما الحسين وريثٌ للعلـيِّ فتى   الفتـيانِ، منْ نهـجُهُ في السرِّ أسرارُ؟
و سيفه ذوالفَقار الفذُّ ذو شطب   شَـهْمُ التـطلُّع فيمـا الغَـيرُ غدَّارُ
خليفةُ المصطفى يوم الغدير، وقد   أتاه مـن الغيبِ: بَلّغْ أنـت تختارُ
فقال: من كنت مولاه، عليُّ لهُ    مـولى، و بايـع بـالآلافِ حـضّارُ...
...
 
 
 
الأستاذ الدكتور فيكتور الكك
من مواليد بيروت و الحائز على شهادته من جامعة طهران في فرع الأدب الفارسي و بإشراف فقيد الأدب الفارسي المرحوم بديع الزمان فروزانفر و ذلك عام 1960 و هو حاليا يترأس فضلاً عن التدريس مجلتي الدراسات الأدبية و فصلية إيران و العرب و من أشعاره التي شارك بها:
هلَّلت عدْنُ كبَّرت لفتاها     أحمد شمسُها عليٌ ضياها،
في عروج إلى السماء تجلّى   من غماماته الإمامُ وتاها
ذكرياتٌ من الغدير عظامٌ   هَرِمَ الدَّهرُ و البِلى ما كساها،
و العراقان في سحيق مداها   أترَعاها دماً و دمعاً وآها
يا إمام الهدى و ناصر دينٍ  نخوةُ الجهلِ روحهُ تأباها،
سيفك الحقُّ غيَّبَ الجهلَ لما   آيةُ النور أرعدت في سماها
يا غديراً صفا الوقوفُ عليه   ماؤك الآسنُ استحال صفاها
...
الاستاذ ريمون القسيس
ولد بزحلة في بيت شعر و أدب و قال الشعر في ريعان شبابه و من أعماله الأدبية أوراق شاعرومنائر. أما في الإمام علي فله قصيدة ملحمية طويلة سماها علي الفارس الفقيه الحكيمكما له أعمال أدبية أخرى تحت الطبع و من قصيدته في الإمام علي عله السلام.
بذي الفقارِ الذي لولاكَ ما كانا    يا فارسَ الساحِ كم أرديتَ فُرسانا
أين ابن وُدٍّ؟ يصيحُ القفرُ مُرتعداً   أصـمى مَنـيَّتهُ كفـراً وبُهتانا
وها حجافلُ بدرٍ خضت عمرهم   فكنت وحدك جيشاً جاش بُركانا
وفي حنين و في صفين أذهَلـهم   سيـفٌ أباد زرافاتٍ و وِحدانا
سيـفٌ بكفـِّك هل إلاَّك يـحمله   أنـت الـعـليُّ عليُّ اللهِ ما هانا
كما الشجاعةُ في جَنْبَيْكَ مُورِيَـةٌ   يوري بـيـانك أفكاراً وأذهانا
بمرقمٍ خـاذمٍ كالـسيفِ مُكْتَنزٍ     فـقهاً وعلماً وحكماً هَلَّ تَهْتانا
تخطُّ نهجاً بلـيغاً، سامياً عطـراً   والـفكرُ يرتـاد أكواناً وأكوانا
...
 
الاستاذ الدكتور ميشال كعدي
ولد بزحلة و بعد إكمال دراسته الابتدائية دخل سلك طلاب العلوم الدينية في إحدى أديرة لبنان و كانت رسالته للدكتوراه و بتنسيق مع الفاتيكان في الامام علي بن ابي طالب و هي دراسة لحياة و نهج الإمام علي عليه السلام  و سماها: الإمام علي بن أبي طالب نهجاً و روحاً و فقهاً و له كتب أخرى لاسيما في أهل البيت عليهم السلام منها ديوان شعر سماه رياحين الأئمة و هو تحت الطبع. من شعره:
قال في حجة الوداع المرير    و جموع الحجيج وسع بحورِ
وقفة إثر وقفة و انتشارٌ     و كلامٌ صميمه في الصدورِ
و تهاوى الحج عند نبيّ    مرشدُ الروح مُفعَم التعبيرِ
و المجدّون في المكان كصوتٍ   في خفاياه نسمة المسرورِ
فعليٌّ مني و أنا منه صدقاً    ذاك قولٌ من مصطفى مبرورِ
و تناد الرسول صوتاً و نصحاً   فأعاد الصدى نداء الغديرِ
بعد قول الملاك صار كليماً    و كلاماً و لهفة للجديرِ
...
 
 
 
الأستاذ البروفيسور جورج زكي الحاج
من مواليد بعلبك و هو أستاذ في جامعة لبنان برتبة بروفيسور له عدة كتب و مقالات منها النقد الأسود، سيرة لسان الحال، صباحات الخميس و الصوت المصلوب. كما له قصيدة في الامام الحسين تقع في ستين بيتاً سماها يا ابن الكرام و قد شارك بأبيات منها و هي:
فتى الشهادةِ جئتُ الـيومَ أعـتذرُ   مـنكَ السماحُ.. وفيكَ الشعرُ يختمرُ
مرّتْ سنينٌ، ولمْ أكتُبكَ مَكْرُمـَةً    ضَـجَّ اليـراعُ و كادَ الطّرسُ ينتحرُ
ما قيمةُ الشعرِ إنْ لم ينسكبْ قيماً   هـي المعالي، وفيـها المرءُ يفـتخرُ،
و أنت للشعرِ محرابٌ و ملحمةٌ،    منكَ القـوافي بلفـحِ الـقدسِ تأتَزِرُ
فصارَ ذكركَ للأبطالِ مفخرةً     إيـهٍ حسـينٌ بـبالِ اللهُ تُـذَّكـَـرُ
يا كربلاء رياح الظلم إن لفحت    أرضَ الهدى، لا تقولي: الشرقُ يحتضرُ
تبقى بلادي منارَ الشرقِ، ترشِدُهُ    مهما توالـَتْ على إخضـاعِها زُمَرُ
...
معالي الوزير الشاعر الأديب جوزيف الهاشم
من مواليد الشوف، أكمل دراسته بجامعة القديس يوسف في فرع الأدب العربي ثم مارس النشاط السياسي فانتظم في حزب الكتائب ثم تولى عدة حقائب وزارية منها وزارة الاقتصاد و البريد و غيرها و لكنه و رغم مشاغله السياسية و الدبلوماسية لم يغفل من الشعر و الادب فراح ينظم القصائد العصماء و يشارك في الأندية و الأوساط الشعرية و من أعماله الأدبية مجموعة قالها بوحي من أهل بيت النبوة سماها العلويات و مما شارك فيه من الشعر:
بيني و بينَك، همسةٌ و كلامُ،     يا أمـةً ضــاقَتْ بـها الأيـّامُ
سَكَنَتْ يداها و استكان حُسامُها   والمجدُ، أين المجدُ؟ كيـفَ ينام؟
كم هامةٍ خَرَّتْ علـى أقدامِهـا   عبرَ الزمانِ و كم تهـاوَتْ هامُ!..
ما بالُها رَقَدَتْ على حُقَبٍ، هوى   أسيــادُها و استَفْحَلَ الإجـرامُ

فتقهقرت، يا ويلها، مـن أمَّـةٍ    صـرعَـتْ أئِمَّتها، و غابَ إمامُ



:: بازدید از این مطلب : 1148
|
امتیاز مطلب :
|
تعداد امتیازدهندگان :
|
مجموع امتیاز :
تاریخ انتشار : | نظرات ()